ملكـ ـالقلوب Admin
عدد الرسائل : 160 تاريخ التسجيل : 17/07/2008
| موضوع: إرهاصات في شأن البساطة الأحد أغسطس 24, 2008 8:05 pm | |
| لغة الواقع هي أصدق وأبلغ لغة، بل هي أسرع لغة تصل إلى القلب والعقل معاً، لأنها لغة تُرى وتُحس، لأنها لغة تقيم الدليل القاطع والبرهان الساطع على وجودها، لأنها لغة تملك سر بقائها وخلودها، حيث تتصل اتصالاً وثيقاً بحياة الناس، ومن ثم فهي لا تكذب ولا تتجمل، وكل لغة أخرى تحاول القفز على معطياتها السامقة فإنما تعزف لحاناً نشازاً لا تتحمله أذن، فالسراب مهما تراءى للظمآن ماءً، فإن ذلك لا ينفى أنه خيال ووهم سرعان ما ينكشف زيفه وتنفضح حقيقته، ولذا فإن تطابق لغة المقال مع لغة الواقع يمثل سبيلاً ماضياً نحو القلوب والعقول التي لا تؤمن بغير الخط المستقيم طريقاً، وتلك أول ومضة على طريق البساطة. ** والبساطة تتجلى في أروع وأبهى صورها ريثما تصدر عن إنسان كبير، إذ يكون لها في هذا المقام سحر وجمال، فالأذن لن تنتشي بمفردات في اللغة أكثر من أن تقبض على كلمات بسيطة تترجمها المشاعر إلى نبض وتدفق، ولن يجد الفكر مادة للتأمل أجمل من عبارات بسيطة تحمل في ثناياها أفكاراً ورؤىً عظيمة، وهنا أزعم أن ارتداء ثوب البساطة لا يصلح لكل من حاول، لأن البساطة سر وسحر، ولأن البساطة تختار بدقة من يتحدثون بلسانها، ولذا فعندما تختار كبيراً ليعبر عنها تتجلى البساطة في أبدع معانيها. ** إن من عاش حياة البسطاء من الناس لحظة بلحظة، يكون أقدر الناس على الإحساس بهم، والتفاعل معهم، يكون أقدر الناس على الغوص في أعماقهم وقراءة أفكارهم وتفهم تطلعاتهم وتحقيق آمالهم والتخفيف من آلامهم، ولا شك أن المحكات المتعاقبة، والامتحانات المتتابعة على طريق الحياة إنما تمثل رصيداً ضخماً وخبيراً بحياة الناس، ومن ثم تبقى حالة الاتصال قائمة ومتدفقة عبر لسان مفهوم اللغة والمنطق، إذ يغزل هاك اللسان حديثاً من مادة ما يعي الناس ويفهمون، بعيداً عن لغة الأبراج العاجية. ** إن البساطة هي السهل الممتنع، وهي القريب البعيد، تكون في مرمى أقوالنا وأفعالنا فنعرض عنها، ونأبى إلا نذهب طائعين إلى الحياة المعقدة، فتلفنا بشرانق من ضيق ونكد، ثم ندور نبحث عن سبيل للرجوع فلا نجد، والسؤال من الذي جني على نفوسنا فألقى بها في دوامة من التفاصيل المملة؟ إنه الفضول والطمع الذي يُمَنى النفس بالسعادة عند ذاك المنعطف، فتذهب بلا اكتراث على طريقة من ذهبوا، فتسقط بلا تمهيد في متاهة البحث عن المجهول الذي لا يأتي أبداً. ** عزيزي القارئ، إن كنت بسيطاً مالاً، وجاهاً، ومنصباً، وكنت تقضى العمر يوم بيوم، فلا تحزن لما فات، ولا تفرح بما هو آت، فأعلم أنك في جنة لن تعرف قدر نعيمها إلا إذا جذبك بريق المنعطف فسقطت من رأسه إلى قاعة، فوالذى خلقني أنى لم أر السعادة إلا في عيش البسطاء، ولم أر الضحكة الصافية إلا في وجوههم، ولم أذق طعم النوم الهانئ إلا في حجراتهم، هكذا كنا جميعاً منذ عقدين أو ثلاثة، ريثما كنا نحيا في بيوت متشابهة، ونلبس ثياباً متشابهة، فلما رشحت الدنيا بعضاً منا للعدو فى دروبها، والظفر ببعض مباهجها، تعلمنا ألا نلتقط الأنفاس، إذ استحوذ علينا حُبُ الركض واللهث معاً، ولا ندرى بأي أرض سوف نتوقف؟!. | |
|
همس الحرف عضو
عدد الرسائل : 12 تاريخ التسجيل : 24/08/2008
| موضوع: رد: إرهاصات في شأن البساطة الأحد أغسطس 24, 2008 8:33 pm | |
| | |
|